مواضع علامات الترقيم
كَثيرًا ما نُخْطِئُ في اسْتِخْدامِ عَلاماتِ التَّرْقيمِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّها واضِحةُ المعاني والإيحاءاتِ، وَلِهَذا فَقَدْ أَوْرَدْتُ هَذا الملْحَقَ هُنا لِتَوْضيحِ مَعْنَى كُلِّ عَلامةٍ مِنْ هَذِهِ العَلاماتِ والمرادِ مِنَ اسْتِخْدامِها، لَعَلَّنا نُحْسِنُ اسْتِخْدامَها فَيَقْرَأُ كُلٌّ مِنّا الآخَرينَ كَأَنَّهُ يَسْمَعُهُمْ.
عَلاماتُ التَّرْقيمِ هيَ: الفاصِلةُ [،]، والفاصِلةُ المنْقوطةُ [؛]، والنُّقْطةُ [.]، والنُّقْطَتانِ المتَتاليَتانِ [..]، وَثَلاثُ النِّقاطِ المتَتالياتُ [...]، وَشَرْطَتا الاعْتِراضِ [-...-]، وَقَوْسا التَّنْصيصِ [«...»]، والقَوْسانِ الهِلاليّانِ [(...)]، والنُّقْطَتانِ الرَّأْسيَّتانِ [:]، وَعَلامةُ الاسْتِفْهامِ [؟]، وَعَلامةُ التَّعَجُّبِ [!]، وَشَرْطةُ بِدايةِ القَوْلِ [-]، وَشَرْطةُ الاسْتِئْنافِ [-]. وَتوجَدُ عَلاماتٌ أُخْرَى قَليلةٌ غَيرُها، وَلَكِنَّها قَليلةُ الاسْتِخْدامِ.
وَفي ما يَلي تَوْضيحٌ لِمَعْنَى واسْتِخْدامِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ العَلاماتِ:
* * *
الفاصِلةُ [،]:
تُسْتَخْدَمُ الفاصِلةُ لِلْفَصْلِ بَينَ الجُمَلِ، وَهيَ إِشارةٌ إِلَى سَكْتةٍ خَفيفةٍ مِنَ المتَكَلِّمِ، فَنَقولُ مَثَلًا: «لَقَدْ كانَ يُذاكِرُ لِمُدّةٍ طَويلةٍ، وَلَكِنَّهُ تَعِبَ فَقامَ ليَرْتاحَ قَليلًا». في هَذا الموْضِعِ كانَ مِنَ الواضِحِ أَنَّ المتَكَلِّمَ سَكَتَ لَحْظيًّا بَينَ نِهايةِ الجُمْلةِ الأولَى وَبِدايةِ الجُمْلةِ الثّانيةِ.
وَلَكِنَّ المشْكِلةَ أَنَّ كَثيرينَ مِنّا يُكْثِرونَ مِنَ اسْتِخْدامِ الفَواصِلِ في جُمَلِهِمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَفْصِلونَ بِها بَينَ المعْطوفِ والمعْطوفِ عَلَيهِ، فَيَقولُ القائِلُ: «لَقَدْ كُنْتُ مُتْعَبًا، وَمُرْهَقًا، وَعابِسًا، وَلَمْ أَكُنْ أَتَحَمَّلُ أَحَدًا، لا إِخْوَتي، وَلا أَصْدِقائي، وَلا جيراني». نُلاحِظُ هُنا أَنَّهُ اسْتَخْدَمَ سِتَّ فَواصِلَ خِلالَ نُطْقِهِ لِجُمْلَتَينِ فَقَطْ، وَهَذا -حَسَبَ تَعْبيرِ مُعَلِّمي وَأُسْتاذي المهَنْدِسِ مُجاهِدِ مَأْمونِ ديرانيّةَ- يُقَطِّعُ أَوْصالَ الكَلامِ. فَما الضَّيرُ إِذا كانَتْ هَذِهِ الجُمْلةُ عَلَى الصّورةِ: «لَقَدْ كُنْتُ مُتْعَبًا وَمُرْهَقًا وَعابِسًا، وَلَمْ أَكُنْ أَتَحَمَّلُ أَحَدًا، لا إِخْوَتي وَلا أَصْدِقائي وَلا جيراني»؟ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ المعْنَى وَلا الإيحاءُ، بَلْ جاءَ الكَلامُ مُتَّسِقًا مُتَناغِمًا.
وَلا أَجِدُ مِثالًا عَلَى هَذِهِ الحالِ أَبْلَغَ مِنْ قَوْلِهِ (عَزَّ وَجَلَّ): ﴿صم بكم عمي فهم لا يرجعون﴾ (البَقَرةُ: 18).
فَحينَ نَقْرَأُ هَذِهِ الآيةَ لا يَقِفُ القارِئُ بَينَ هَذِهِ الصِّفاتِ، لا وُجوبًا وَلا جَوازًا وَلا غَيرَ ذَلِكَ، بَلِ الصِّفاتُ مُتَتابِعةٌ في سياقٍ رائِعٍ مُعَبِّرٍ عَنِ المرادِ.
* * *
الفاصِلةُ المنْقوطةُ [؛]:
تَأْتي الفاصِلةُ المنْقوطةُ في الكَلامِ العَرَبيِّ لِلدِّلالةِ عَلَى صِلةِ السَّبَبيّةِ بَينَ جُمْلَتَينِ، أَي أَنَّها تَرْبِطُ بَينَ جُمْلَتَينِ إِحْداهُما سَبَبٌ لِلْأخْرَى، فَنَقولُ مَثَلًا: «لَقَدْ تَعِبْتُ مِنَ القِراءةِ؛ كانَتِ الإِضاءةُ خافِتةً جِدًّا»، وَهُنا جاءَتِ الفاصِلةُ المنْقوطةُ بَينَ جُمْلَتَينِ، إِحْداهُما (وَهيَ الجُمْلةُ الثّانيةُ) سَبَبٌ لِلْأخْرَى (وَهيَ الجُمْلةُ الأولَى).
وَلَكِنْ يَشيعُ الخَطَأُ جِدًّا حينَ يَضَعُ البَعْضُ الفاصِلةَ المنْقوطةَ بَينَ كُلِّ سَبَبٍ وَنَتيجَتِهِ، سَواءٌ أَكانا جُمْلَتَينِ أَمْ لا، فَيَقولُ القائِلُ: «لَقَدْ تَعِبْتُ مِنَ القِراءةِ؛ لِأَنَّ الإِضاءةَ كانَتْ خافِتةً جِدًّا»، وَهَذا خَطَأٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ «لِأَنَّ الإِضاءةَ كانَتْ خافِتةً جِدًّا» لَيسَ جُمْلةً، بَلْ هوَ شِبْهُ جُمْلةٍ مُتَعَلِّقٌ بِالجُمْلةِ الأولَى، فَقَوْلُهُ كُلُّهُ جُمْلةٌ واحِدةٌ لا يَجوزُ فيها هَذا الفَصْلُ.
كَما أَنَّ لامَ الجَرِّ في «لِأَنَّ» تَقومُ بِتَوْضيحِ مَعْنَى السَّبَبيّةِ في ما بَعْدَها، فَما مَعْنَى اسْتِخْدامِ الفاصِلةِ المنْقوطةِ إِذَنْ؟! هَذا هوَ السِّرُّ والأَصْلُ في أَنْ تَصِلَ الفاصِلةُ المنْقوطةُ بَينَ جُمْلَتَينِ، وَجُمْلَتَينِ فَقَطْ، لا بَينَ جُمْلةٍ وَشِبْهِ جُمْلةٍ، وَلا بَينَ جُمْلةٍ وَكَلِمةٍ... لِأَنَّها تَقومُ بِإِضْفاءِ مَعْنَى السَّبَبيّةِ عَلَى الجُمْلةِ الَّتي تَأْتي بَعْدَها إِذا لَمْ يَكُنْ فيها ما يُعْطيها مَعْنَى السَّبَبيّةِ. أَمّا إِنْ كانَ ما بَعْدَها يَبْدَأُ بِاللّامِ الَّتي تُعْطي مَعْنَى السَّبَبيّةِ، أَوِ الفاءِ أَوْ «إِذْ» أَوْ «حَيثُ»... فَلا يَجوزُ هُنا اسْتِخْدامُها.
* * *
النُّقْطةُ [.]:
تَأْتي النُّقْطةُ لِلدِّلالةِ عَلَى انْتِهاءِ القَوْلِ، إِمّا انْتِهاءً تامًّا، وَإِمّا انْتِهاءً جُزْئيًّا، فَتَأْتي في نِهايةِ الفَقْرةِ، أَوْ في نِهايةِ مَجْموعةٍ مِنَ الجُمَلِ الَّتي تَتَناوَلُ فِكْرةً واحِدةً (وَهَذا تَقْريبًا تَعْريفُ الفَقْرةِ)، بِشَرْطِ أَنْ لا تَكونَ في هَذِهِ النِّهايةِ عَلامةُ تَعَجُّبٍ أَوْ عَلامةُ اسْتِفْهامٍ أَوْ قَوْسُ تَنْصيصٍ أَوْ قَوْسُ حَصْرٍ (قَوْسٌ هِلاليٌّ)، أَوْ ما إِلَى ذَلِكَ مِمّا يُشيرُ هوَ الآخَرُ إِلَى نِهايةِ القَوْلِ.
فَمَثَلًا بَعْدَ نِهايةِ كَلامِ شَهْرَزادَ كُلَّ لَيلةٍ كانَ يُقالُ:... وَهُنا أَدْرَكَ شَهْرَزادَ الصَّباحُ، فَسَكَتَتْ عَنِ الكَلامِ المباحِ.
وَهُنا يَنْتَهي القَوْلُ بِنُقْطةٍ، وَإِذا جاءَ هَذا القَوْلُ في سياقٍ يَجْعَلُهُ نَصًّا بَينَ كَلامٍ آخَرَ لَوُضِعَ بَينَ قَوْسَي تَنْصيصٍ وَلَمْ توضَعْ في نِهايَتِهِ النُّقْطةُ، كَأَنْ نَقولَ: أَمّا قَوْلُ الرّاوي: «وَهُنا أَدْرَكَ شَهْرَزادَ الصَّباحُ، فَسَكَتَتْ عَنِ الكَلامِ المباحِ» فَهوَ قَوْلٌ خِتاميٌّ جَميلٌ.
إِذْ لا مَعْنَى لِخِتامِ القَوْلِ بِعَلامَتَينِ تَعْني كُلٌّ مِنْهُما هَذا الخِتامَ.
أَمّا ما يَشيعُ مِنْ وَضْعِ نُقْطةٍ بَعْدَ عَلامةِ الاسْتِفْهامِ (؟.) أَوْ بَعْدَ عَلامةِ التَّعَجُّبِ (!.) أَوْ قَبْلَ قَوْسِ التَّنْصيصِ الأَخيرِ («... المباحِ.») أَوْ أَيِّ قَوْسٍ سِواهُ أَوْ أَيِّ أَداةِ حَصْرٍ... فَإِنَّ هَذا كُلَّهُ مِنَ الخَطَأِ الشّائِعِ والَّذي نَسْعَى مَعًا لِتَوْضيحِهِ والبُعْدِ عَنْهُ.
وَلا يَخْفَى هُنا أَنَّ عَلامَتَيِ التَّعَجُّبِ والاسْتِفْهامِ (؟-!) توضَعُ تَحْتَ كُلٍّ مِنْهُما نُقْطةٌ هيَ نُقْطةُ خِتامِ الجُمْلةِ، فَما مَعْنَى وَضْعِها مَرّةً ثانيةً بَعْدَها؟
وَقَدْ تَأْتي النُّقْطةُ وَسْطَ فَقْرةٍ إِذا كانَ الكَلامُ قَدِ انْتَهَى في هَذا الموْضِعِ مِنَ الفَقْرةِ في ذِكْرِ جُمْلةٍ ما، ثُمَّ بَدَأَتْ جُمْلةٌ أُخْرَى بَعْدَها، خُصوصًا إِذا لَمْ يوجَدْ رابِطٌ لُغَويٌّ بَينَ الجُمْلَتَينِ، كَأَنْ نَقولَ مَثَلًا: «قَدْ تَقابَلْنا في مُنْتَصَفِ الطَّريقِ إِلَى المدْرَسةِ، وَكانَ صَديقي يَحْمِلُ حَقيبةً ثَقيلةً جِدًّا. كانَتْ مُقابَلَتُنا عَنْ طَريقِ المصادَفةِ أَطْرَفَ ما حَدَثَ في ذَلِكَ اليَوْمِ...».
مِنَ الواضِحِ في المِثالِ أَنَّ الكَلامَ كُلَّهُ يَدورُ حَوْلَ تِلْكَ المقابَلةِ، وَلِهَذا فَهوَ كُلُّهُ فِكْرةٌ عامّةٌ تَصْلُحُ لِأَنَّ تَكونَ فَقْرةً واحِدةً، وَلَكِنْ جاءَتِ النُّقْطةُ وَسْطَ الفَقْرةِ لِأَنَّ الكَلامَ انْقَطَعَ وَلَمْ يوجَدْ رابِطٌ بَينَ جُمْلةِ خِتامِ الفِكْرةِ الأولَى وَجُمْلةِ ابْتِداءِ الفِكْرةِ الثّانيةِ.
* * *
النُّقْطَتانِ المتَتاليَتانِ [..]:
النُّقْطَتانِ المتَتاليَتانِ مِنْ العَلاماتِ المسْتَحْدَثةِ في عَلاماتِ التَّرْقيمِ، وَهُما تَعْنيانِ الفاصِلةَ، وَيَكْثُرُ اسْتِخْدامُهُما في النُّصوصِ الأَدَبيّةِ، خُصوصًا الشِّعْرَ، إِذْ يَسْتَخْدِمُهُما الأُدَباءُ لأَغْراضٍ «بَلاغيّةٍ»، فَيَسْتَخْدِمُها الشُّعَراءُ مَثَلًا في نِهاياتِ السُّطورِ والأَبْياتِ الشِّعْريّةِ وَوَسْطَها لِلدِّلالةِ عَلَى أَنَّ الكَلامَ لَهُ إيحاءاتٌ أُخْرَى وَمَعانٍ عَميقةٌ! فَهَلْ يُمْكِنُ لأَحَدِ هَؤُلاءِ الشُّعَراءِ أَنْ يَحْذِفَ هاتَينِ النُّقْطَتَينِ وَيَضَعَ فاصِلةً؟! لا أَظُنُّ، فَمِنْ أَشَدِّ ما يُقْلِقُ الشّاعِرَ أَنْ يَضَعَ فاصِلةً في شِعْرِهِ.
والإِشْكالُ هُنا أَنَّ المتَلَقّيَ لا يَعْرِفُ إِنْ كانَ الكاتِبُ يَقْصِدُ بِالنُّقْطَتَينِ هَذِهِ المعانيَ «البَليغةَ» أَمْ مُجَرَّدَ الفاصِلةِ، خُصوصًا لِأَنَّ البَعْضَ يَسْتَخْدِمونَ العَلامَتَينِ مَعًا في النَّصِّ الواحِدِ، مِما يُحْدِثُ لَبْسًا كَبيرًا لَدَى القارِئِ.
ما أُريدُ قَوْلَهُ هُنا هوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنّا أَنْ يُحَدِّدَ مَوْقِفَهُ الدّائِمَ، أَوْ عَلَى الأَقَلِّ مَوْقِفَهُ خِلالَ كِتابةِ الموْضوعِ الواحِدِ أَوِ الكِتابِ الواحِدِ، مَوْقِفَهُ مِنَ النُّقْطَتَينِ (..) والفاصِلةِ (،)، فَإِمّا أَنْ يَسْتَخْدِمَ النُّقْطَتَينِ وَإِمّا أَنْ يَسْتَخْدِمَ الفاصِلةَ، أَمّا الجَمْعُ بَينَهُما فَإِنَّهُ يُحْدِثُ لَبْسًا لَدَى القارِئِ وَيوحي إِلَيهِ بِأَنَّ المرادَ بِالأولَى غَيرُ المرادِ بِالثّانيةِ.
أَمّا أَنا فَأُفَضِّلُ اسْتِخْدامَ الفاصِلةِ، لِأَنَّها عَلامةٌ أَصيلةٌ مِنْ عَلاماتِ التَّرْقيمِ، وَلا أَجِدُ داعيًا لِاسْتِحْداثِ ما يَعْني مَعْناها.
* * *
النِّقاطُ الثَّلاثُ المتَتالياتُ [...]:
اصْطَلَحَ اللُّغَويّونَ عَلَى أَنَّ ثَلاثَ النِّقاطِ (...) تَعْني أَنَّ في مَوْضِعِها كَلامًا مَحْذوفًا، مُقَدَّرًا أَوْ غَيرَ مُقَدَّرٍ، فَنَقولُ مَثَلًا: «كُنْتُ سَأَزورُكَ أَمْسِ وَلَكِنْ...»، وَهُنا مِنَ الواضِحِ أَنَّ الكَلامَ لَمْ يَتِمَّ، وَأَنَّهُ حُذِفَ لِغَرَضٍ ما أَوْ لِسَبَبٍ ما، فَقَدْ يَكونُ حُذِفَ لِأَنَّ المتَكَلِّمَ لَمْ يُرِدْ تَوْضيحَ السَّبَبِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَرادَ الصَّمْتَ مُؤَقَّتًا لَتَهْيِئةِ الجَوِّ النَّفْسيِّ لِلْمُسْتَمِعِ، أَوْ حَتَّى لِأَنَّهُ قوطِعَ في كَلامِهِ...
* * *
شَرْطَتا الاعْتِراضِ [-...-]:
شَرْطَتا الاعْتِراضِ مِنْ أَدَواتِ الحَصْرِ الَّتي تُسْتَخْدَمُ لِحَصْرِ كَلامٍ لا عَلاقةَ لُغَويةً لَهُ بِالكَلامِ الأَصْليِّ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ يُضيفُ إِلَيهِ مَعْنًى، وَلِهَذا تَكونُ الجُمْلةُ الاعْتِراضيّةُ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإِعْرابِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ إِضافَتِها لِلْمَعْنَى.
نَقولُ مَثَلًا: «وَمِصْرُ -كَما قالَ هيرودوتْ- هِبةُ النّيلِ»، وَشِبْهُ جُمْلةِ «كَما قالَ هيرودوتْ» لا عَلاقةَ لَها بِالجُمْلةِ الأَصْليّةِ لُغَويًّا، وَإِنْ كانَ يَزيدُ مَعْناها.
وَإِذا تَأَخَّرَتْ جُمْلةُ الاعْتِراضِ إِلَى آخِرِ الكَلامِ الأَصْليِ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِها اعْتِراضًا لِأَنَّها بِهَذا تَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى الاعْتِراضِ، وَهوَ المعارَضةُ وَسْطَ الكَلامِ، وَلِهَذا تُحْذَفُ مِنْها شَرْطَتا الاعْتِراضِ، فَنَقولُ في مِثْلِ المِثالِ السّابِقِ: «وَمِصْرُ هِبةُ النّيلِ كَما قالَ هيرودوتْ». والبَعْضُ يَضَعُ قَبْلَها فاصِلةً فَيَقولُ: «وَمِصْرُ هِبةُ النّيلِ، كَما قالَ هيرودوتْ»، وَلا ضَيرَ في ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ البَعْضَ يَسْتَخْدِمُ شَرْطَتَي الاعْتِراضِ مَعَ جُلِّ ما يَراهُ مِنْ أَشْباهِ الجُمَلِ، فَيَكْتُبُ البَعْضُ: «ذَهَبْتُ إِلَى الجامِعةِ -مُنْذُ يَوْمَينِ- وَأَنا في شِدّةِ الإِرْهاقِ»، كَأَنَّ شِبْهَ الجُمْلةِ «مُنْذُ يَوْمَينِ» غَيرُ مُتَعَلِّقٍ بِالفِعْلِ «ذَهَبَ»! وَكَأَنَّهُ لا يُحَدِّدُ زَمَنَ الذَّهابِ.
وَهُنا نَقولُ إِنَّهُ إِذا كانَ لِلْجُمْلةِ أَوْ شِبْهِ الجُمْلةِ عَلاقةٌ بِالكَلامِ الأَصْليِّ لُغَويًّا فَإِنَّهُ لا يَجوزُ اعْتِبارُهُما اعْتِراضًا، لِأَنَّ الاعْتِراضَ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإِعْرابِ، والجُمْلةُ أَوْ شِبْهُ الجُمْلةِ ذَوا العَلاقةِ اللُّغَويّةِ بِالكَلامِ يَكونُ لَهُما مَحَلٌّ إِعْرابيٌّ.
وَفي جُمْلةِ الاخْتِصاصِ يَكونُ ما بَينَ الشَّرْطَتَينِ مَفْعولًا بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ تَقْديرُهُ «أَعْني» أَوْ «أَخُصُّ»، أَي أَنَّ لَهُ مَحَلًّا مِنَ الإِعْرابِ، وَلَكِنَّ الجُمْلةَ الفِعْليّةَ كُلَّها (المكَوَّنةَ مِنْ فِعْلِ الاخْتِصاصِ وَفاعِلِهِ وَمَفْعولِهِ) لا يَكونُ لَها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرابِ، فالفِعْلُ المقَدَّرُ أَيضًا يَكونُ بَينَ الشَّرْطَتَينِ. فَإِذا قُلْنا مَثَلًا: «نَحْنُ -الشُّعَراءَ- نَسْعَى لِلِارْتِقاءِ بِوِجْدانِ المجْتَمَعِ»، فَإِنَّ كَلِمةَ «الشُّعَراءَ» مَفْعولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ وُجوبًا تَقْديرُهُ «أَعْني» أَوْ «أَخُصُّ»، والجُمْلةُ الفِعْليّةُ «أَعْني الشُّعَراءَ» أَوْ «أَخُصُّ الشُّعَراءَ» اعْتِراضيّةٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإِعْرابِ.
وَبِالتَّأَمُّلِ في الكَلامِ لَنْ نَجِدَ لِلْجُمْلةِ الفِعْليّةِ المحْصورةِ بِشَرْطَتَي الاعْتِراضِ أَيَّ وَجْهٍ إِعْرابيٍّ، عَلَى الرَّغْمِ مِنَ المحَلِّ الإِعْرابيِّ لِلْكَلِمةِ مَحَلِّ الاخْتِصاصِ، وَهيَ «الشُّعَراءَ».
* * *
قَوْسا التَّنْصيصِ [«...»]:
واضِحٌ مِنَ التَّسْميةِ «قَوْسا التَّنْصيصِ» أَنَّهُما يُسْتَخْدَمُانِ في تَحْديدِ نَصٍّ ما، وَهَذا النَّصُّ تَكونُ لَهُ مَرْجِعيّةٌ ما. قَدْ يَكونُ هَذا النَّصُّ قَوْلًا عَلَى لِسانِ شَخْصٍ ما، وَقَدْ يَكونُ آيةً مِنْ آيِ القُرْآنِ الكَريمِ، وَقَدْ يَكونُ حَديثًا شَريفًا، وَقَدْ يَكونُ سِفْرًا مِنَ الإِنْجيلِ، وَقَدْ يَكونُ خَبَرًا مِنْ جَريدةٍ... المهِمُّ أَنْ يَكونَ مُسْتَقْدَمًا إِلَى الكَلامِ مِنْ أَجْلِ اسْتِخْدامِهِ كَأَنَّهُ كَلِمةٌ واحِدةٌ، وَمِنْ هَذا وَضْعُ مَقولِ القَوْلِ بَينَ قَوْسَي تَنْصيصٍ إِذا جاءَ وَسْطَ الكَلامِ، فَنَضَعُ وَسْطَ هَذِهِ الفَقْرةِ مَثَلًا قَوْلَ فُلانٍ: «لا أَحَدَ في المكانِ». نُلاحِظُ أَنَّ هَذا القَوْلَ مَوْضوعٌ بَينَ قَوْسَي تَنْصيصٍ، وَهَذا لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَهُ مَحَلُّهُ الإِعْرابيُّ كَأَنَّهُ كَلِمةٌ واحِدةٌ في السّياقِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ إِعْرابِ كُلِّ كَلِمةٍ مِنْ كَلِماتِهِ حَسَبَ مَوْقِعِها الإِعْرابيِّ في جُمْلَتِها لا في الكَلامِ الأَصْليِّ كَكُلٍّ.
كَما يُمْكِنُ اسْتِخْدامُهُما في تَحْديدِ نَصٍّ ما كاسْمِ كِتابٍ مَثَلًا، فَنَقولُ: قَرَأْتُ رِوايةَ «ذَهَبَ وَلَمْ يَعُدْ».
وَهَذا حَتَّى يُعَدَّ اسْمُ الرِّوايةِ كُلُّهُ مُضافًا إِلَيهِ، في حينِ تُعْرَبُ كُلُّ كَلِمةٍ مِنْ كَلِماتِهِ حَسَبَ مَوْقِعِها في جُمْلَتِهِ (أَي في جُمْلةِ اسْمِ الرِّوايةِ).
وَيُمْكِنُ اسْتِخْدامُهُما في تَحْديدِ كَلِمةٍ ما في نَصٍّ ما، كَأَنْ نَقولَ مَثَلًا: إِنَّ «ذَهَبَ» فِعْلٌ ماضٍ.
فَتَكونُ كَلِمةُ «ذَهَبَ» فِعْلًا ماضيًا مَبْنيًّا عَلَى الفَتْحِ، في مَحَلِّ نَصْبِ اسْمِ «إِنَّ»، فَهوَ هُنا وارِدٌ كَنَصٍّ وَلَمْ يَرِدْ بِاعْتِبارِهِ فِعْلًا.
وَلَكِنْ في حالةِ كَثْرةِ النُّصوصِ في الموْضوعِ الواحِدِ أَوْ وُجودِ نَصٍّ داخِلَ نَصٍّ فَإِنَّ هَذا يُجْبِرُنا عَلَى اسْتِخْدامِ أَكْثَرَ مِنْ شَكْلٍ لأَقْواسِ التَّنْصيصِ، فَقَدْ يُسْتَخْدَمُ القَوْسانِ المضَلَّعانِ ([...]) أَوْ قَوْسا المجْموعةِ ({...}) أَوْ قَوْسا الآيةِ (﴿...﴾) أَوْ غَيرُها مِنْ أَشْكالِ الأَقْواسِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيضًا عَلامَتا التَّنْصيصِ «"..."»، وَهُما شائِعَتانِ في الاسْتِعْمالِ.
كَما قَدْ تُسْتَخْدَمُ الأَشْكالُ الأُخْرَى مِنَ الأَقْواسِ عِنْدَ تَمْييزِ نَوْعٍ ما مِنَ النُّصوصِ، كَتَمْييزِ نُصوصِ القُرْآنِ الكَريمِ أَوِ الحَديثِ الشَّريفِ بِشَكْلٍ ما مِنْ أَشْكالِ الأَقْواسِ.
* * *
القَوْسانِ الهِلاليّانِ [(...)]:
وَهُما مِنْ أَدَواتِ الحَصْرِ، يُسْتَخْدَمُانِ مِنْ أَجْلِ تَوْضيحِ شَيءٍ مُبْهَمٍ، وَقَدْ يَكونُ لِما بَينَهُما عَلاقةٌ لُغَويّةٌ بِالكَلامِ وَقَدْ لا يَكونُ، فَنَقولُ مَثَلًا: «أَلَّفَ الخَليلُ بْنُ أَحْمَدَ (وَهوَ عالِمٌ مَوْسوعيٌّ فارِسيُّ الأَصْلِ) أَوَّلَ مَعاجِمِ العَرَبيّةِ». فُجُمْلةُ «وَهوَ عالِمٌ مَوْسوعيٌّ فارِسيُّ الأَصْلِ» لا عَلاقةَ لَها بِالكَلامِ لُغَويًّا، وَلَكِنَّها توَضِّحُ ما يُقْصَدُ بِالخَليلِ بْنِ أَحْمَدَ.
كَما يُمْكِنُ أَنْ نَقولَ: «حَضَرَ عَليٌّ (أَخو أَحَدِ أَصْدِقائي) حَفْلَ تَخَرُّجي». فَما بَينَ القَوْسَينِ الهِلاليَّينِ «أَخو أَحَدِ أَصْدِقائي» هوَ تَوْضيحٌ لِلْمَقْصودِ بِعَليٍّ، كَما أَنَّهُ يَرْتَبِطُ بِهِ ارْتِباطًا لُغَويًّا إِعْرابيًّا إِذْ هوَ نَعْتٌ لَهُ.
والفَرْقُ بَينَ القَوْسَينِ الهِلاليَّينِ وَشَرْطَتَي الاعْتِراضِ أَنَّ ما بَينَ القَوْسَينِ الهِلاليَّينِ يوَضِّحُ إِبْهامَ ما قَبْلَهُما فَقَطْ وَقَدْ يَكونُ لَهُ مَوْقِعُهُ الإِعْرابيُّ في الجُمْلةِ الأَصْليّةِ، في حينِ يَأْتي بَينَ شَرْطَتَي الاعْتِراضِ كَلامٌ يَزيدُ في مَعْنَى الجُمْلةِ دونَ عَلاقةِ لُغَويّةٍ بِالكَلامِ وَلا يوَضِّحُ إِبْهامًا.
* * *
النُّقْطَتانِ الرَّأْسيَّتانِ [:]:
تُسْتَخْدَمُ النُّقْطَتانِ الرَّأْسيَّتانِ [:] لِلْإِشارةِ إِلَى أَنَّ ما بَعْدَهُما هوَ تَفْصيلٌ لِما أُجْمِلَ قَبْلَهُما، فَنَقولُ مَثَلًا: جاءَني صَديقانِ: أَحْمَدُ وَعَليٌّ.
كَما أَنَّهُما تُسْتَخْدَمُانِ لِلْإِشارةِ إِلَى القَوْلِ، فَما بَعْدَهُما هوَ تَفْصيلُ القَوْلِ، فَنَكْتُبُ مَثَلًا: قالَ فُلانٌ: الطَّقْسُ اليَوْمَ جَميلٌ.
فَجُمْلةُ «الطَّقْسُ اليَوْمَ جَميلٌ» هيَ تَفْصيلٌ لِما قالَهُ فُلانٌ، أَي أَنَّهُ في هَذِهِ الحالةِ أَيضًا اسْتُخْدِمَتِ النُّقْطَتانِ الرَّأْسيَّتانِ لِلتَّفْصيلِ بَعْدَ الإِجْمالِ.
وَمِنَ الخَطَأِ الشّائِعِ في اسْتِخْدامِ هَذِهِ العَلامةِ أَنْ تُذْكَرَ أَداةٌ مِنْ أَدَواتِ التَّفْصيلِ بَعْدَ الإِجْمالِ مَعَ اسْتِخْدامِها، فالبَعْضُ يَكْتُبُ مَثَلًا: «جاءَني صَديقانِ: هُما أَحْمَدُ وَعَليٌّ». وَفي هَذِهِ الجُمْلةِ كانَ التَّفْصيلُ واضِحًا بِتَوْضيحِ الصَّديقَينِ في جُمْلةٍ مُسْتَقِلّةٍ هيَ «هُما أَحْمَدُ وَعَليٌّ»، فَما الدّاعي إِلَى وُجودِ النُّقْطَتَينِ الرَّأْسيَّتَينِ؟!
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ نَكْتُبَ مَثَلًا: «يَتَّضِحُ هَذا الأَمْرُ في ثَلاثِ نِقاطٍ، هيَ:
1-...
2-...
3-...».
والصَّوابُ في هَذا أَنْ نَكْتُبَ: «يَتَّضِحُ هَذا الأَمْرُ في ثَلاثِ نِقاطٍ:
1-...
2-...
3-...».
لِأَنَّ الضَّميرَ «هيَ» مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ ما يَليهِ مِنْ نِقاطٍ، وَهَذا يُعْطي مَعْنَى التَّفْصيلِ بَعْدَ الإِجْمالِ، وَلا داعيَ مَعَهُ إِلَى اسْتِخْدامِ النُّقْطَتَينِ الرَّأْسيَّتَينِ، أَوْ لا داعيَ إِلَى اسْتِخْدامِ الضَّميرِ «هيَ».
* * *
عَلامةُ الاسْتِفْهامِ [؟]:
تُسْتَخْدَمُ عَلامةُ الاسْتِفْهامِ (؟) لِلدِّلالةِ عَلَى مَعْنَى الاسْتِفْهامِ، وَلا تُسْتَخْدَمُ في سِواهُ، فَنَقولُ مَثَلًا: «مَنْ أَنْتَ؟»، لِأَنَّ هَذِهِ الجُمْلةَ بَدَأَتْ بِأَداةِ اسْتِفْهامٍ، وَهَذا أَبْسَطُ الأَمْثِلةِ عَلَى وُجوبِ وَضْعِ عَلامةِ الاسْتِفْهامِ، وَهوَ أَنْ تَكونَ الجُمْلةُ اسْتِفْهاميّةً بِناءً وَمَعْنًى.
كَما تُسْتَخْدَمُ هَذِهِ العَلامةُ حينَ تَكونُ الجُمْلةُ اسْتِفْهاميّةً بِناءً وَمَعْناها غَيرُ الاسْتِفْهامِ، وَمِنْ ذَلِكَ أُسْلوبُ الاسْتِهْجانِ وَأُسْلوبُ السُّخْريةِ، فَنَقولُ في مِثْلِ هَذَينِ الأُسْلوبَينِ: «مَنْ أَنْتَ حَتَّى تُحَدِّثُني بِهَذا الأُسْلوبِ؟»، وَنَسْتَخْدِمُ عَلامةَ الاسْتِفْهامِ هُنا مُراعاةً لِوُجودِ أَداةِ اسْتِفْهامٍ عامِلةٍ.
وَتُسْتَخْدَمُ أَيضًا في حالةِ افْتِراضِ وُجودِ أَداةِ اسْتِفْهامٍ، فَقَدْ يَقولُ قائِلٌ إِنَّهُ فَعَلَ كَذا وَكَذا، فُيُرَدُّ عَلَيهِ: «أَنْتَ؟»، والتَّقْديرُ: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذا؟
أَي أَنَّ عَلامةَ الاسْتِفْهامِ توضَعُ في حالةِ وُجودِ عَلامةِ اسْتِفْهامٍ مَرْسومةٍ أَوْ مُقَدَّرةٍ.
وَمِنَ الخَطَأِ الشّائِعِ أَنْ توضَعَ عَلامةُ الاسْتِفْهامِ في نِهايةِ جُمْلةٍ لَيسَ الغَرَضُ مِنْها الاسْتِفْهامَ، وَيَكونُ الاسْتِفْهامُ فيها مَفْعولًا بِهِ مَثَلًا في مِثْلِ قَوْلِنا: «لَمْ أَدْرِ ماذا حَدَثَ». فالبَعْضُ يَضَعُ عَلامةَ اسْتِفْهامٍ في نِهايةِ هَذِهِ الجُمْلةِ وَأَمْثالِها، في حينِ أَنَّ الاسْتِفْهامَ هُنا مَفْعولٌ بِهِ لِلْفِعْلِ «أَدْرِ».
وَمِنْ أَمْثالِها أَنْ نَقولَ: «أَخْبِرْني ماذا حَدَثَ».
أَمّا حينَ نَفْصِلُ بَينَ الجُمْلةِ الفِعْليّةِ «أَخْبِرْني» والاسْتِفْهامِ «ماذا حَدَثَ» فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَينا وَضْعُ عَلامةِ الاسْتِفْهامِ لِأَنَّ هَذا الفَصْلَ يُخْرِجُ الاسْتِفْهامَ عَنْ عَلاقَتِهِ بِالفِعْلِ «أَخْبِرْني» كَمَفْعولٍ بِهِ ثانٍ، فَنَقولُ في هَذِهِ الحالةِ: «أَخْبِرْني، ماذا حَدَثَ؟».
وَمِمّا يَشيعُ خَطَأً تَكْرارُ عَلامةِ الاسْتِفْهامِ في مِثْلِ قَوْلِنا: «هَلْ تَكْتُبُ القِصّةَ؟ أَمِ الشِّعْرَ؟»، إِذْ وَرَدَ في هَذا التَّعْبيرِ اسْتِفْهامٌ واحِدٌ بِأَداةِ اسْتِفْهامٍ واحِدةٍ، فَكَيفَ تَجْتَمِعُ لَهُ أَداتا اسْتِفْهامٍ؟ والصَّوابُ هُنا أَنْ نَقولَ: «هَلْ تَكْتُبُ القِصّةَ أَمِ الشِّعْرَ؟».
إِلّا أَنَّهُ إِذا وَرَدَ اسْتِدْراكٌ بَعْدَ الجُزْءِ الأَوَّلِ مِنَ الاسْتِفْهامِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ وَضْعُ عَلامَتَيِ اسْتِفْهامٍ، إِذْ يَكونُ الاسْتِدْراكُ مُسَوِّغًا لِبِدايةِ جُمْلةٍ اسْتِفْهاميّةٍ جَديدةٍ مُقَدَّرةٍ حَسَبَ السّياقِ، فَيَأْتي مَثَلًا في سياقِ حِوارٍ ما: «هَلْ تَناوَلْتَ غَداءَكَ؟»، ثُمَّ يَسْتَدْرِكُ السّائِلُ (وَقَدِ انْتَهَى سُؤالُهُ بِالفِعْلِ) فَيُكْمِلُ قائِلًا: «أَمْ أَنَّكَ صائِمٌ؟»، وَيَكونُ التَّعْبيرُ بِالكامِلِ عَلَى النَّحْوِ التّالي: «هَلْ تَناوَلْتَ غَداءَكَ؟ أَمْ أَنَّكَ صائِمٌ؟»، وَلَكِنْ يُراعَى هُنا عِنْدَ النُّطْقِ السُّكوتُ القَصيرُ مُدّةَ الفاصِلةِ.
* * *
عَلامةُ التَّأَثُّرِ (التَّعَجُّبِ) [!]:
عَلامةُ التَّعَجُّبِ (!) تُسْتَخْدَمُ لِلدِّلالةِ عَلَى الدَّهْشةِ في الغالِبِ، فَنَقولُ: «يا لَجَمالِ هَذِهِ الحَديقةِ!».
كَما تَمْتَزِجُ الدَّهْشةُ أَحْيانًا بِالتَّساؤُلِ فَتَتَجاوَرُ عَلامَتا التَّعَجُّبِ والاسْتِفْهامِ فَنَقولُ مَثَلًا: «مَنْ فَعَلَ هَذا بِاللهِ عَلَيكُمْ؟!».
والبَعْضُ يُفَضِّلونَ تَسْميَتَها -وَأَنا مِنْهُمْ- عَلامةَ التَّأَثُّرِ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ تَأْتيَ في نِهايةِ الجُمَلِ الَّتي تَدُلُّ عَلَى تَأَثُّرٍ وِجْدانيٍّ شَديدٍ كالحُزْنِ الشَّديدِ أَوِ السَّعادةِ الشَّديدةِ أَوِ الخَوْفِ الشَّديدِ... إِذْ لَيسَ مِنَ المنْطِقيِّ أَنْ يُخْتَصَّ التَّعَجُّبُ مِنْ بَينِ الإِحْساساتِ والانْفِعالاتِ بِعَلامةٍ تُمَيِّزُهُ في الكَلامِ، وَلِهَذا فَإِنَّ هَذِهِ العَلامةَ تُشيرُ إِلَى التَّطَرُّفِ في المشاعِرِ عَلَى وَجْهِ العُمومِ، مِنْ تَعَجُّبٍ وَخَوْفٍ وَقَلَقٍ واضْطِرابٍ وَسَعادةٍ وَحُزْنٍ...
يَجِبُ هُنا أَنْ نُشيرَ إِلَى أَنَّ عَلامةَ التَّأَثُّرِ تَأْتي في نِهايةِ الجُمْلةِ، أَي أَنَّها عَلامةٌ عَلَى انْتِهاءِ الجُمْلةِ، وَلِهَذا فَلا يُمْكِنُ مَعَها أَنْ نَضَعَ نُقْطةً، إِذْ يَحْتَوي رَسْمُها بِالفِعْلِ عَلَى نُقْطةٍ تَحْتَ الخَطِّ الرَّأْسيِّ، فَمِنَ الخَطَأِ أَنْ نَكْتُبَ: يا لَجَمالِ هَذِهِ الحَديقةِ!.
* * *
شَرْطةُ بِدايةِ القَوْلِ [-]:
تُسْتَخْدَمُ هَذِهِ الشَّرْطةُ في بِدايةِ القَوْلِ عِنْدَ عَرْضِ حِوارٍ ثُنائيٍّ، وَفي مِثْلِ هَذا الحِوارِ تَكونُ هَذِهِ الشَّرْطةُ بَديلًا عَنْ ذِكْرِ اسْمِ المتَكَلِّمِ لِمَعْرِفَتِهِ مِنْ خِلالِ السّياقِ، فَيَكونُ الحِوارُ كالتّالي:
«قالَ أَحْمَدُ:...
قالَ عَليٌّ:...
-...
-...».
وَفي هَذا المِثالِ نَجِدُ أَنَّ الشَّرْطةَ حَلَّتْ مَحَلَّ ذِكْرِ اسْمِ المتَكَلِّمِ، بَلْ حَلَّتْ مَحَلَّ ذِكْرِ جُمْلةِ الإِشارةِ إِلَى القَوْلِ، فَكَأَنَّها تَعْني «قالَ فُلانٌ:».
أَمّا ما يَشيعُ مِنْ وَضْعِ نُقْطَتَينِ وَشَرْطةٍ بَعْدَ جُمْلةِ الإِشارةِ إِلَى القَوْلِ فَهوَ خَطَأٌ شائِعٌ لا صِحّةَ فيهِ، فالبَعْضُ يَكْتُبُ مَثَلًا: «قالَ أَحْمَدُ:-...».
والبَعْضُ يَكْتُبُ: «قالَ أَحْمَدُ:
-...».
وَكُلُّ هَذا مِنَ الخَطَأِ الشّائِعِ وَيُعَدُّ إِسْرافًا شَديدًا في اسْتِعْمالِ عَلاماتِ التَّرْقيمِ.
* * *
شَرْطةُ الاسْتِئْنافِ [-]:
تُسْتَخْدَمُ هَذِهِ الشَّرْطةُ حينَ يَحْدُثُ فَصْلٌ كَبيرٌ بَينَ مُتَلازِمَينِ في اللُّغةِ، فَحينَ يَحْدُثُ فَصْلٌ مَثَلًا بَينَ المبْتَدَأِ والخَبَرِ فَإِنَّنا نَسْتَخْدِمُ هَذِهِ الشَّرْطةَ قَبْلَ الخَبَرِ لِلتَّذْكيرِ بِالمبْتَدَأِ الَّذي سَبَقَ وَأَنَّ التّاليَ هوَ خَبَرُهُ، فَنَقولُ مَثَلًا: «الكِتابُ الَّذي اشْتَرَيتُهُ أَمْسِ وَقَرَأْتُهُ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَيتُهُ مُباشَرًةً ثُمَّ حَفِظْتُهُ بَينَ كُتُبي المفَضَّلةِ- غالي الثَّمَنِ».
من هنا في هَذا المِثالِ وَرَدَ المبْتَدَأُ «الكِتابُ» في بِدايةِ جُمْلةٍ طَويلةٍ، وَوَرَدَ الخَبَرُ «غالي الثَّمَنِ» في نِهايةِ نَفْسِ الجُمْلةِ، بَعْدَ أَنْ فَصَلَ بَينَهُما فاصِلٌ كَبيرٌ، وَلِهَذا وَجَبَ التَّذْكيرُ بِأَنَّ هَذا اللَّفْظَ هوَ الخَبَرُ، فَوُضِعَتِ الشَّرْطةُ قَبْلَهُ مُباشَرةً.
*****
اقرأ
إرسال تعليق
تواصل معنا فى رسائل الصفحة