هل الله روح ؟
الحمد لله وحده والصلاة
والسلام على من لا نبي بعده :
يعتقد النصارى ان الله
تعالى اسمه وتبارك شأنه روح وهذا وفقا لما جاء
فى انجيل يوحنا قوله الله روح ولا ندرى من هو يوحنا الذى كتب هذا ؟ وكيف عرف
أن الله روح؟ فهل اخبره الرحمن عن نفسه ؟ وهل الروح مخلوقة ام خالقة ؟ و
هل لله روح ؟ ( روح كروح
الإنسان والملائكة وسائر الخلق ) .
لتوضيح ذلك أقول وبالله
التوفيق والسداد وعليه التكلان :
ليس لأحد أن يصف الله
تعالى إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا أحد
أعلم بالله من الله تعالى ، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
. قال الله تعالى : ( قُلْ أَأَنْتُمْ
أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) البقرة/140. (
وَلا تَقْفُ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ
كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً )
الإسراء/36.
والروح ليست من صفات
الله تعالى ، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى . وأضيفت إلى الله تعالى في بعض
النصوص إضافة ملك وتشريف ، فالله خالقها ومالكها ، يقبضها متى شاء ، ويرسلها متى
شاء.
فالقول في الروح ،
كالقول في (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) و (رسول الله) فكل هذه مخلوقات
أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم.
ومن النصوص التي أضيفت
فيها الروح إلى الله : قوله تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ
وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه ) السجدة/9 . وهذا في
حق آدم عليه السلام.
وقال سبحانه وتعالى عن
آدم أيضاً : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ )
الحجر/29.
وقال تعالى : (
فَاتَّخَذَتْ مِنْ
دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً
سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً *
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً
زَكِيّاً ) مريم/17-
19.
فالروح هنا هو عبد الله
ورسوله جبريل الذي أرسله إلى مريم . وقد أضافه الله إليه في قوله (رُوحَنَا)
فالإضافة هنا للتكريم والتشريف ، وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه
وتعالى.
وفي حديث الشفاعة
الطويل : ( فَيَأْتُونَ مُوسَى ،
فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ، فَإِنَّهُ رُوحُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) رواه البخاري (7510)
ومسلم (193).
قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله : " فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة
له ، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له
باتفاق الخلق ، كقوله تعالى (بيت الله) و (ناقة الله) و(عباد الله) بل وكذلك روح
الله عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم . ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس
بصفة لغيره مثل كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له " انتهى من
"الجواب الصحيح" (4/414).
وهذه القاعدة ذكرها شيخ
الإسلام في مواضع ، وحاصلها أن المضاف إلى الله نوعان:
1- أعيان قائمة بذاتها ،
فهذه الإضافة للتشريف والتكريم ، كبيت الله وناقة الله ، وكذلك الروح ، فإنها ليست
صفة ، بل هي عين قائمة بنفسها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء
بن عازب الطويل في وفاة الإنسان وخروج روحه : ( فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ
الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ) ( فَيَأْخُذُهَا (يعني يأخذ ملك الموت الروح )
فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا (يعني الملائكة) فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ
حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ
) (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ
قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا ) . انظر روايات الحديث في "أحكام الجنائز" للألباني
(ص198)
وقال صلى الله عليه
وسلم : ( إِنَّ الرُّوحَ إِذَا
قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) رواه مسلم (920) أي
: إذا خرجت الروح تبعها البصر ينظر إليها أين تذهب . فهذا كله يدل على أن الروح عين
قائمة بنفسها.
2- صفات لا تقوم بنفسها ،
بل لا بد لها من موصوف تقوم به ، كالعلم والإرادة والقدرة ، فإذا قيل : علم الله ،
وإرادة الله ، فهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف.
قال ابن القيم رحمه
الله في كتاب "الروح:"
المسألة السابعة عشرة :
وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة ؟ "
ثم قال : فهذه مسألة زل
فيها عالَمٌ ، وضل فيها طوائف من بنى آدم ، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين
، والصواب المستبين ، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة
مصنوعة مربوبة مدبَّرة ، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم
، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث ، وأن معاد الأبدان واقع ، وأن الله
وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله : "
ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم
كلها مخلوقة لله ، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه
سائر خلقه قال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ )
الجاثـية/13"
انتهى من "الروح"
(ص144).
وربما أشكل على بعض
الناس قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/171 . فظنوا
كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض ، وأن الروح جزء من الله . والحق أن (مِِْن)
هنا لابتداء الغاية ، أي هذه الروح من عند الله ، مبدأها ومنشأها من الله تعالى ،
فهو الخالق لها ، والمتصرف فيها.
قال ابن كثير رحمه
الله:
فقوله في الآية والحديث
: ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) كقوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) أي من
خلقه ومِنْ عنده ، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله
المتتابعة ، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى ، وقد قال مجاهد في قوله :
(وروح منه) أي ورسول منه ، وقال غيره : ومحبة منه ، والأظهر الأول ، وهو أنه مخلوق
من روح مخلوقة . وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما أضيفت الناقة والبيت
إلى الله في قوله : ( هَذِهِ نَاقَةُ
اللَّهِ ) الأعراف/73 ، وفي
قوله : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ ) الحج/26 . وكما روي
في الحديث الصحيح : ( فأدخل على ربي في
داره ) أضافها إليه إضافة
تشريف ، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير"
(1/784).
وقال الألوسي رحمه الله
: : حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم
فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى ، وتلا هذه
الآية : ( إِنَّمَا
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) فقرأ الواقدي قوله
تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ )
الجاثـية/13 . فقال : إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا
كبيرا ، فانقطع النصراني فأسلم ، وفرح الرشيد فرحا شديدا".
وقال رحمه الله : " لا
حجة للنصارى على شيء مما زعموا في تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه ؛ إذ
لغيره عليه السلام مشاركة له في ذلك ، ففي
إنجيل لوقا
: قال يسوع لتلاميذه :
إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه.
وفى إنجيل متى
: إن يوحنا المعمداني
امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه.
وفى التوراة
: قال الله تعالى لموسى
عليه السلام : اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي
عليك.
وفيها في حق يوسف عليه
السلام : يقول الملك : هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال
فيه.
وفيها أيضا : إن روح
الله تعالى حلت على دانيال . . . إلى غير ذلك " انتهى من "روح المعاني"
(6/25).
وجاء في إنجيل لوقا
(1/41) : ( وامتلأت
الياصبات من الروح القدس).
وقوله (1/25، 26) : (
وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه سِمعان ، ينتظر الخلاص لإسرائيل ، والروح القدس
كان عليه ، وكان الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب .
فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح ) فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي ، وصريح
أيضا في أن عيسى عليه السلام (مسيح الرب) فهو عبد لله تعالى ، والله هو الذي مسحه ،
وجعلها مسيحا.
إرسال تعليق
تواصل معنا فى رسائل الصفحة