مفهوم الحرية عند دعاة الإصلاح
إن الحرية الحقة هي التحرر من ضغط شطحات النفس وهواها وشهواتها ،
وهي التحرر من تقاليد المجتمع المنحرفة ، وأعرافه الضالة ، وهي التحرر من القوى ،
والمصالح الاقتصادية الطاغية ، المهيمنة على الحياة ، المواجهة لسلوك الإنسان في
هذا العصر.
الحرية هي التحرر من
أغلال السيطرة ، وقوى الضغوط الموجهة للإنسان من داخل نفسه ومن خارجها على
السواء.
إن الحرية الحقة كما
يراها دعاة الإصلاح هي المستمدة من العبودية المطلقة لله وحده ، المرتكزة عليها ،
فإذا استشعر الإنسان بهذه العبودية تحرر من كل عبودية سواها ، وأحس من لحظته بضآلة
كل قوة أخرى على الأرض ، وكل قيمة أخرى ، وكل جاه ، وكل سلطان.
وهذه الحرية ، لا
ينافيها أن يخضع الإنسان لنظام ، ويتقيد بقيود ذلك النظام ، لأن الحياة لا بد لها
من نظام يحكمها ، والنظام لا بد له من قيود ، وهو حين يخضع للنظام الذي يرتضيه الله
، إنما يخضع – في الحقيقة – لله ، ومن ثم يطيع ولي الأمر ، ويطيع نظامه المستمد من
شريعة الله.
وهذه الحرية لا يعارضها
أن تطيع المرأة زوجها ، وتقر بأحقيته في القوامة عليها ، في الحدود المرسومة في
شريعة الله ، لأنها حين تطيعه لا تفقد كيانها ، ولا شخصيتها.
ولا ينقص من تلك الحرية
للمرأة أن تكون في البيت ترعى شؤونه وتربي صغاره وتوفر فيه
السكينة.
وليس نقصاً لتلك الحرية
حينما تؤمر المرأة بالحجاب الشرعي لتستر بذلك مفاتنها عن الأجانب وليُقضي على
مثيرات الشهوة ومحركاتها في المجتمع ، ولا ينقص من تلك الحرية ولا ينافيها – ولن
يكون ذلك – حينما يُحَدّ للرجال والنساء على سواء طريق يسلكونه ومعالم ينتهون إليها
لتضبط تصرفاتهم ويحد من شطحاتهم.
لا ينافي شيء من هذه
الأشياء جميعها الحرية الحقة ، لأنها حرية الإنسان الراقي المنظم ، ذي الرسالة
السامية ، المنظمة ، والمنظمة للحياة أيضاً ، ولكن ليس المقصود من الحجاب – كما
يتخيله الجاهلون أو يصوره المغرضون – أن تحبس المرأة في بيتها لا ترى الناس ، ولا
تتنسم الهواء ، وأن تختفي عن الحياة في الخارج اختفاء كاملاً.
وليس معنى القرار في
البيت ، أن تدخله عروساً ، ولا تخرج منه إلا إلى القبر ، لا بل إنها تخرج ، لا بد
أن ترى الرجال ويرونها لأن الحياة وضروراتها تحتم ذلك ، ولكن بضوابط الإسلام وفي
إطار حدوده.
فليس الخروج هو الممنوع
في ذاته ، وإنما الهدف منه هو موضع السؤال ، هل تخرج لتتعلم؟ أو لتعمل؟ أو لترى
الشمس وتشم الهواء لا بأس في هذا كله في الشرع.
أما أن يكون في باطن
إحساسها إثارة الفتنة ، ويكون العلم والعمل والنزهة ساتراً لكل ذلك ، فهنا يقع
الحجر.
وهي تتعامل مع الرجل
ويتعامل معها ، ويكلمها وتكلمه ، ويتبادلان الخدمات التي تحتمها ضرورات الحياة ، في
هذا الجو النظيف المكشوف الذي لا يخفي وراءه الفتنة ، ولا دفع إليه غرض
دنيء.
أما العواطف التي تثير
في نفسها الحنين الفطري إلى الجنس الآخر ، فهي شيء طبيعي ، تستلزمه الفطرة ، فلا
تحتقر ، ولا تكبت ، ولا تستقذر ، فليس الجنس دنساً في ذاته ، ولا هو حرام ، ولكن
يجب أن يوضع في إطاره الصحيح النظيف ، وفي الزواج يجد الجنس مصرفه الطبيعي ، يجده
مرتبطاً بهدف أعلى وأسمى ، وليس هو في ذاته كل الهدف المطلوب.
أما إذا لم يكن زواج
فهناك علاج مؤقت ، للتخفيف من سَورة تلك الغريزة وتحد من فورتها حتى يحين
الزواج:
أولاً: يجب أن ينظف
المجتمع من دواعي الإثارة المجنونة التي تستفز الشهوة وتحركها.
ثانياً: يجب أن تجعل
للحياة أهداف جادة تستنقذ الطاقة النفيسة ، وترفعها عن الدنس
المحظور.
ثالثاً: تستنفذ
الطاقة الحيوية الفائضة في أعمال جسدية دائمة ، فيشغل الشباب بالرياضة والعمل ،
والفتاة في تدبير المنزل وشؤونه ، وكلاهما جيد يرفع المشاعر ويشغلها إلى
حين.
رابعاً: إن العبادة
جزء من النشاط الحي للإنسان وهي وسيلة ناجحة للتسامي والارتفاع بالإنسان إلى
أعلى.
وبهذا يُخفف من سورة
تلك الغريزة ويُحد من اندفاعها ، حتى يُقدر لهما الزواج فهو العلاج
الحاسم.
هذا هو التحرير الحقيقي
للمرأة وللرجل كما رسمه الإسلام ، وكما ينادي به دعاته ، أما التحرير المزعوم الذي
وصلت إليه المرأة في الغرب ، والذي ينادي به دعاة التحرير في الشرق الإسلامي بدافع
التقليد فهو مسخ للمرأة ، ومسخ للرجل ، ومسخ للأجيال.
إرسال تعليق
تواصل معنا فى رسائل الصفحة