الرد على شبهة هل القران لم يأت بجديد ؟؟
ولكن قبل الدخول في تفاصيل ذلك، نود أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى ملاحظتين مهمتين في هذا السياق
أولهما: أن
أصل التوراة والإنجيل حق
لا ريب فيه؛ لأنهما من عند الله سبحانه، ومن ثَمَّ فلا يمكن لتلك الكتب أن يناقض
بعضها بعضًا، بل هي مكملة ومتممة لبعضها البعض؛ بيد أن التوراة والإنجيل - وهذا
أيضًا حق وواقع لا يمكن نكرانه بحال - طرأ عليهما الكثير من التحريف والتبديل.
فإذا تبين هذا، فإن حديثنا هنا يتعلق بما في التوراة والإنجيل المحرَّفين، واللذين
بقيا بين أيدي الناس .
أما الملاحظة
الثانية: فمفادها أنه مما لا شك فيه أن
القرآن جاء مصدقًا ومهيمنًا على ما سبقه من الكتب السماوية؛ ومن معاني الهيمنة أن
يكون في القرآن ما ليس في غيره من الكتب. وبناءً على هاتين الملاحظتين اقول
وبالله التوفيق:
إن الناظر
والمتأمل فيما جاء في التوراة
والإنجيل، وما جاء في القرآن الكريم، لا يعجزه أن يقف على بطلان هذه الشبهة من
أساسها، ويتبين له - مقارنة بما جاء في التوراة والإنجيل - عناصر الجدة التي تضمنها
القرآن الكريم، والتي اشتملت على جوانب عدة، كالعقيدة والتشريع والعبادات
والمعاملات .
ففي جانب العقيدة - وهو
الجانب الأهم والأبرز - نجد أن القرآن
الكريم قد جاء بعقيدة التوحيد الصحيحة، إذ أفرد الله سبحانه بالعبودية،
وبيَّن أنه الخالق والمدبر لكل أمر في هذا الكون من مبتداه إلى منتهاه، وأن مقاليد
الكون كلها بيده سبحانه، وهذا واضح لكل قارئ لكتاب الله، وضوح الشمس في كبد السماء؛
بينما تقوم عقيدة اليهود المحرَّفة على وصف الخالق بصفات بشرية لا تليق بجلاله
سبحانه، وفي أحسن أحوالها، تقول بوجود إله حق، إلا أن مفهوم الإله في تلك العقيدة
أنه إله قومي، خاص بشعب إسرائيل فحسب .
وكذلك
فإن عقيدة النصارى المحرفة
تقوم على أكثر من تصور بخصوص الذات الإلهية، ويأتي في مقدمة تلك التصورات عقيدة
التثليث، وعقيدة حلول الذات الإلهية في شخص المسيح عليه السلام، تعالى الله عما يقولون
علوًا كبيرًا .
- في مجال العقيدة
أيضًا، لا توجد كلمة واحدة في جميع
أدبيات الكتب المقدسة - كما يذكر عبد الأحد داود في كتابه "محمد في الكتاب المقدس" - حول
قيامة الأجساد، أو حول الجنة والنار؛ بينما نجد القرآن الكريم حافلاً بهذه
المسائل، بل جعل الإيمان بها من أهم مرتكزات الإيمان الصحيح .
- في مجال التشريع،
فقد جاء القرآن الكريم بشريعة واقعية، راعت مصالح الدنيا والآخرة معًا،
ولبَّت مطالب الجسد والروح في آنٍ؛ ففي حين دعت الشريعة المسيحية إلى الرهبانية، التي تعني اعتزال الحياة وتحقير الدنيا -
وكان هذا الموقف من الشريعة المسيحية رد
فعل على العبودية اليهودية للحياة الدنيا ومتاعها - رأينا القرآن يذمُّ موقف
النصارى من الرهبنة، وينعى عليهم هذا الموقف السلبي من الحياة، فيقول:
{ وَرَهْبَانِيَّةً
ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ
اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } (الحديد:27) فالشريعة الإسلامية -
كما نزلت في القرآن - ترى في الرهبانية موقفًا لا يتفق بحال مع ما جاءت به من
الوسطية والتوازن بين حاجات الروح ومتطلبات الجسد .
-وهذه الوسطية الإسلامية أمر
مطرد وجارٍ في جميع أحكام الشريعة الإسلامية، يقف عليها كل من تتبع أمرها، وعرف
حقيقتها، وهذا ما لم يكن في الشرائع السابقة البتة .
-وبعبارة أخرى يمكن
القول: لقد جاءت شريعة الإسلام بتشريع يواكب الحاضر والمستقبل جميعًا،
باعتبارها الرسالة الأخيرة التي أكمل الله بها الدين، وختم بها الرسالات، ونقلها من
المحيط المحدَّد إلى المحيط الأوسع، ومن دائرة القوم إلى دائرة العالمية والإنسانية
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ } (سـبأ:28)
.
- في مجال العبادات،
فلم يحصر القرآن مفهوم العبادة في نطاق ضيق، ولاضمن شكليات محددة وطقوس
جامدة، بل وسَّع مفهوم العبادة غاية الوسع، وجعل القصد من الخلق والحياة العبادة
{ وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات:56) وأيضاً لم
يقيِّد أداء العبادة في مكان محدد، بل جعل الأرض كلها مكانًا لذلك {
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
(البقرة:115) ولا يخفى أن الأمر في
الشرائع السابقة لم يكن على ما جاء به القرآن .
- في مجال المعاملات،
فنقف على بعض الأمثلة التي توضح جديد القرآن:
- في محيط الأسرة: نظرت
التوراة إلى المرأة باعتبارها مصدر كل شر، أما الإسلام فقد رفع
مكانة المرأة، ولم يفرق بينها وبين الرجل إلا في مواضع اقتضتها طبيعة الأشياء والأمور،
قال تعالى موضحًا هذه الحقيقة: { وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }
(البقرة:228.
-
وفي مجال الحرية واحترام
كرامة الإنسان: نجد التعاليم المسيحية تعتبر طاعة الطبقة الحاكمة
كطاعة المسيح، ونقرأ في تلك التعاليم مثلاً: (الفانديك)(الرسالة الى افسس)(Eph-6-5)(ايها العبيد اطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم
كما للمسيح.). أما في الإسلام، فلا
يخضع الإنسان إلا لخالفه وحده، ويقرر القرآن
الحرية للإنسان من لحظة ميلاده، قال تعالى: {
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }
(الإسراء:70) .
- في السلم والحرب:
فقد اعتبر القرآن السلام هو الأصل
في الإسلام: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافة.. }
(البقرة:208) وجعل الحرب
ضرورة تقتضيها سَنَن العمران والدفع الحضاري، من الخير للشر، ومن
الحق للباطل؛ هذا فضلاً عن آداب القتال التي شرعها الإسلام. وكل هذا
لا نقف عليه في الشريعتين اليهودية والنصرانية .
- أما في شؤون المال
والاقتصاد: فقد كان الربا وما يزال قوام الاقتصاد بين أهل الكتاب...وكان المال وما
زال عند أهل الكتاب المعبود والغاية التي يجب الوصول إليها بأية وسيلة كانت...في
حين جاء الإسلام بتحريم كل تعامل ربوي، وآذن القرآن الكريم بحرب من الله لكل من
يتعامل به...وبين الموقف الصحيح من المال، وأن الأصل فيه أنه لله، وأن الإنسان في هذه
الحياة مستخلف عليه ومحاسب عليه، كسباً وإنفاقاً، قال تعالى: {
وَأَنْفِقُوا مِمَّا
جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فيه } (الحديد:7
ولا
يخفى على أهل الكتاب القرآن الكريم أتى بطهارة الأنبياء مما أصابهم فى الكتاب
المقدس ومن وصفهم بلصوص وسراق على لسان إلههم المزعوم فضلا عن صوفهم بدناءة الخلق
والطبع(الفانديك)(انجيل
يوحنا)(Jn-10-8)(جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص.ولكن الخراف لم تسمع لهم.)
.
فهل ما زلتم تسالون ماذا
اتى به القرآن من جديد؟
والأمثلة على على ما
تقدم، أكثر من أن يحصرها مقال كهذا، وفيما ذكرنا غنية لما أردنا بيانه. والحمد
لله الذي { لَهُ الْحَمْدُ فِي
الأُولَى والأَخرة وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ } (القصص:70)
وصلى الله على خاتم المرسلين .
إرسال تعليق
تواصل معنا فى رسائل الصفحة