أدب مدرسة المهاجر
أدب ثانوية عامة
النشأة وأثر البيئة
في منتصف القرن التاسع عشر، وفي لبنان، اضطر بعض أبناء الشام من العرب المسيحيين إلى الهجرة عن وطنهم بسبب
الاضطهاد السياسي، والصراع المذهبي الديني، والفقر، والتطلع إلى الحرية والكسب، اتجه هؤلاء إلى
الأمريكيتين الشمالية أولا، والجنوبية بعد ذلك ثم توالت الهجرات.
وبعد أن استقر بهم المقام، بدأت البيئة الجديدة تؤثر في حياة الشباب المهاجرين وفي
أحاسيسهم، ومن ثم في أدهم، وذلك لاختلاف الإطار الاجتماعي، والثقافي، والحضاري
عن وطنهم لبنان بعد أن انسلخوا منه، ولم يذوبوا في بلدهم الجديد، فأصبحوا
كالمعلقين في الهواء، ولم تحقق لهم الحياة في مهاجرهم المثل العليا، والطموحات
التي كانوا يرنون إلها، وعاشوا وماتوا فقراء، إلا النادر منهم لظروف خاصة، بعد أن كانوا
يأملون في وضع اجتماعی کریم، يساوي بين الإنسان أمام فرص الحياة، لكن أجمل ما
شعروا به واكتسبوه في الوطن الجديد هو الشعور
بالحرية.
وبدأ الشعراء المهاجرون يتجهون بشعرهم
للتعبير عن حياتهم الجديدة، وكانت فرحتهم بإحساسهم بالحرية، إلى جانب عدم
اهتمامهم بالتراث العربي القديم دافعا إلى التحرر من القيود الشعرية التقليدية على درجات
متفاوتة فيما بينهم، ومع اختلاف من هاجر إلى أمريكا الشمالية، ومن هاجر إلى أمريكا
الجنوبية، من حيث الميول، والمواقف والتقاليد، وطبيعة المجتمع الجديد، إذ كانت
أمريكا الجنوبية أشبه ما تكون بالمجتمعات الشرقية
الرابطة القلمية
تكون من مجموع المهاجرين الشعراء " الرابطة القلمية في نيويورك ۱۹۲۰م.
وكانت ريادتها لجبران خليل جبران، ورشيد أيوب، وندرة حداد، وغيرهم، وفيلسوفها
ميخائيل نعيمة. وأمير شعرائها إيليا أبو ماضی.
وكانت هذه الرابطة تميل إلى التجديد، والثورة على الشعر التقليدي وحمل
شعراؤها مشعل التجديد في الشعر
) العصبة الأندلسية)
في أمريكا الجنوبية، وتكونت عام ۱۹۳۳م بالبرازيل، ومن أعضائها: الشاعر القروی رشید خوری، وشكر الله الجر، وحليم خوري، وفوزی المعلوف، وشقيقاه شفيق، المعلوف، وإلياس فرحات، ونعمة قازان... وغيرهم، وكانت - أول أمرها - تميل إلى عقد الصلة بين القديم والجديد من الشعر
خصائص أدب شعراء المهاجر
أولا من حيث المضمون
1 - رومانتیکی النزعة والاتجاه، تحقق في شعرهم كثير من سمات الرومانتيكية مما جعلهم
يؤثرون في مدرسة " أبولو ولم يقتصر التأثير على مدرسة أبولو فحسب، بل قبل قراء
الشعر في الوطن العربي على شعرهم، ويرجع
ذلك أكثر ما يرجع إلى محاكاتهم الرومانتيكية الغربية. ووجدوه معبرا عما يدور في قلوبهم أحاسيسهم ويودون
التعبير عنه
2 - اتفقوا مع شعراء
" مدرسة الديوان " في دعوتهم إلى التجديد؛ لكنهم اختلفوا عنهم في أنهم لم يجعلوا شعرهم غارقا في الذهنية؛ بل جعلوه
محلقا مع العاطفة، كما كانوا أكثر تحررا وانطلاقا في معانيه، وأخيلته
وأوزانه
3 - آمنوا بأن الشعر معبر عن موقف الإنسان في الحياة، وأنه يقوم بدور إنساني: هو تهذيب النفس، وإعلاء الحق، ونشر الخير، والجمال، والسمو إلى المثل
العليا، والتمسك بالقيم، وجعل الحب وسيلة إلى سلام دائم يشمل النفس والوجود.
4 - نزعوا في شعرهم إلى استبطان النفس الإنسانية، بتأمل الشاعر نفسه، ومشاركته
الوجدانية لمن حوله، يقول إيليا أبو ماضي في (الجداول):
أنا لا أذكر شيئا عن حياتي الماضية
أنا لا أعرف شيئا عن حياتي الأتية
لی ذات غير أني لست أدري ماهية
فمتى تعرف ذاتی كنه ذاتي؟
لست أدري
5 - حفل شعرهم بالتأمل في حقائق الكون والحياة، في الخير والشر، في الحياة والموت، مما أتاح لخيالهم أن يجسد لهم الأمور الغيبية، ويجعلها حية تشاركهم
حياتهم، بما في ذلك تامل الموت. وها هو " ميخائيل نعيمة " يقول في ديوانه " همس الجفون ":
وعندما الموت يدنو واللحد يفغر فاه
أغمض جفونك تبصر في
اللحد سر الحياة
ويرجع ذلك أكثر ما يرجع إلى محاكاتهم الرومانتيكية الغربية.
خاصة حين وازنوا بين
6 - النزعة
الروحية في شعرهم، وبخاصة حين وازنوا بين موقف الإنسان من القيم
الروحية العاطفية في المجتمعات الشرقية والقيم المادية في المجتمعات الغربية؛ مما جعلهم يلجئون إلى الله
بالشكوى، ويؤمنون بنماء جوهر الإنسان، وبالأخوة الإنسانية، والإيثار، والعطاء وها
هو " نسيب عريضة " ينادي أخاه في الإنسانية :
وإذا شئت أن تسير وحيدا وإذا ما اعترتك مني ملال
فامض لكن ستسمع صوتي صارځا" يا أخي " ،
أين كنت، صدي حبي فتدري جماله وجلاله
7 - اتجهوا إلى الطبيعة، وامتزجوا بها، وجسدوها وجعلوها حية متحركة في صورهم.
وها هو "
شكر
الله الجر" يقول:
رتلي يا طير ألحانك في هذه السفوح
هو ذا الليل وقد أهرم يمشی کالكسيح
8 - شعروا بحنين جارف إلى وطنهم العربي فأذابوه شعرا رقيقا يفيض بالشوق والحب
والحنين، وكلما قست الحياة عليهم - وكثيرا ما قست - زادوا من نغمات
الحنين إلى بلادهم. يقول " نعمة قازان ":
غريبا أراني على ضفة
كأني غيري على ضفتی
فحتى السواق إذا نغمت كأن السواقي بلا نغمة
فلا لا أحب سوى قريتي ولا لا أريد سوى أمتي
ثانيا من حيث الشكل والبناء الشعري:
1 - المغالاة في التجديد: غالى أدباء الشمال في تجديدهم؛ فبعدوا في بعض شعرهم عن أصول العربية، ويرجع ذلك إلى بعدهم عن الثقافة العربية الأصيلة، وإلى
اندفاعهم نحو التجديد مما جعلهم يتساهلون في اللغة
2 - اهتمامهم بالنثر: كان حظ أدباء الشمال في النثر أكثر
من حظ أدباء الجنوب؛ إذ أوشك أدب الجنوبيين أن يقتصر على الشعر. ومن كتب " جبران خليل جبران " النثرية ذات الطابع الرومانتیکي:
(عرائس المروج)، و (الأجنحة المتكسرة)، و(دمعة وابتسامة)، و(الأرواح المتمردة)،
و(العواصف)، كما كتب ميخائيل نعيمة " كتابه النقدي (الغربال) نثرا.
3 - ميلهم إلى الرمز: مالوا في شعرهم إلى الرمز؛ قاصدين بذلك إلى دلالات شعرية للقصيدة كقصيدة " التينة الحمقاء " للشاعر " إيليا أبي ماضي " فهو يصور بخلها على الناس بظلها وثمرها، حين حجبتهما عما حولها، فرأى صاحبها أن لا نفع فيها وهو يرمز بذلك إلى الشح وجزاء الشحيح،
4 - التمسك بالوحدة الفنية: اهتم شعراء المهاجر بالوحدة الفنية
في القصيدة الواحدة، والوحدة الشعورية في الديوان الواحد الذي
يضم قصائد ذات طابع واحد ويبدو ذلك في أسماء دواوينهم مثل: (همس
الجفون) لميخائيل
و(الخمائل - الجداول) لإيليا أبي ماضي، و(العبرات الملتهبة) لإلياس قنصل. وذلك حرصوا على وجود ذلك الترابط الفني بين فكرها،
وموسيقاها وعاطفتها.
5 - الاهتمام بالصورة الشعرية: حيث تتعاون الصورة الجزئية من :
تشبيه، واستعارة، وكناية، ومجاز مرسل في تكوين صورة كلية،
حتى لنرى الشاعر يرسم بحروفه وكلماته صورا تضاهي أو تفوق ما يرسمه الرسام بريشته، ويشكله
المثال بأصابعه، ويعزفه الموسيقي بأنغامه
6 - التصرف في الأوزان والقوافي: تنوع شعرهم بين : النثر الشعري، والشعر ذي الوزن والقافية الموحدين، والأناشيد والأغاني الشعبية، والقافية المزدوجة، والمقطوعات المتنوعة.
7 - الميل إلى اللغة الحية: مالوا إلى اللغة الحية، والكلمة
المعبرة، وسلاسة الأسلوب، مثال ذلك مطلع قصيدة " البلاد المحجوبة " لجبران خليل جبران:
8 - اتخاذهم القصة وسيلة للتعبير: اتخذوا من القصة وسيلة إلى التحليل
النفسي العواطف والمشاعر، وتجسيد الدلالات والمواقف والمعاني، وتقابل
الآراء والفكر وتصارعها.
إرسال تعليق
تواصل معنا فى رسائل الصفحة